بسم الله الرحمن الرحيم
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ( على حلقات)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
محمد صلى الله عليه وسلم – أصله، ونشأته، وأحواله قبل النبوة
النسب الشريف :
هو أكرم خلق الله، وأفضل رسله، وخاتم أنبيائه محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وعدنان من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام بالاتفاق، ولكن لم يعرف بالضبط عدد ولا أسماء بينه وبين إسماعيل عليه السلام.
أما أمه صلى الله عليه وسلم فهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وكلاب هو الجد الخامس للنبي صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه، فأبوه وأمه من أصل واحد، يجتمعان في كلاب، واسمه حكيم. وقيل : عروة، ولكنه كان كثير الصيد بالكلاب فعرف بها.
قبيلته :
قبيلته صلى الله عليه وسلم هي قبيلة قريش المشهود لها بالشرف، ورفعة الشأن، والمجد الأصيل، وقداسة المكان بين سائر العرب، وهو لقب فهر بن مالك أو النضر بن كنانة.
وكل من رجالات هذه القبيلة كانوا سادات وأشرافاً في زمانهم، وقد امتاز منهم قصي – واسمه زيد – بعدة ميزات، فهو أول من تولى الكعبة من قريش، فكانت إليه حجابتها وسدانتها أي كان بيده مفتاح الكعبة يفتحها لمن شاء ومتى شاء، وهو الذي أنزل قريشاً ببطن مكة، وأسكنهم في داخلها، وكانوا قبل ذلك في ضواحيها وأطرافها، متفرقين بين قبائل أخرى، وهو الذي أنشأ السقاية والرفادة. والسقاية : ماء عذب من نبيذ التمر أو العسل أو الزبيب ونحوه، كان يعده في حياض من الأديم يشربه الحجاج. والرفادة : طعام كان يصنع لهم في الموسم. وقد بنى قصي بيتاً بشمالي الكعبة، عرف بدار الندوة. وهي دار شورى قريش، ومركزهم تحركاتهم الاجتماعية، فكان لا يعقد نكاح، ولا يتم أمر إلا في هذه الدار، وكان بيده اللواء والقيادة، فلا تعقد راية حرب إلا بيده، وكان كريماً وافر العقل، صاحب كلمة نافذة في قومه.
أسرته :
أما أسرته صلى الله عليه وسلم فتعرف بالأسرة الهاشمية، نسبة إلى جده الثاني هاشم، وقد ورث هاشم من مناصب قصي : السقاية والرفادة، ثم ورثهما أخوه المطلب، ثم أولاد هاشم إلى أن جاء الإسلام وهم على ذلك، وكان هاشم أعظم أهل زمانه، كان يهشم الخبز، أي يفتته في اللحم، فيجعله ثريداً، ثم يتركه يأكله الناس، فلقب بهاشم، واسمه عمرو. وهو الذي سن الراحلتين : رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام، وكان يعرف بسيد البطحاء.
ومن حديثه : أنه مر بيثرب وهو في طريق تجارته إلى الشام، فتزوج سلمى بنت عمرو من بني عدي بن النجار، وأقام عندها فترة، ثم مضى إلى الشام وهي حامل، فمات بغزة من أرض فلسطين، وولدت سلمى ابناً بالمدينة سمته : شيبة، لشيب في رأسه، ونشأ هذا الطفل بين أخواله في المدينة، ولم يعلم به أعمامه بمكة حتى بلغ نحو سبع سنين أو ثماني سنين، ثم علم به عمه المطلب، فذهب به إلى مكة، فلما رآه الناس ظنوه عبده فقالوا : عبدالمطلب، فاشتهر بذلك.
وكان عبدالمطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظم قدراً. وقد شرف في زمانه شرفاً لم يبلغه أحد، كان سيد قريش وصاحب عير مكة، شريفاً مطاعاً جواداً يسمى بالفياض لسخائه، كان يرفع من مائدته للمساكين والوحوش والطيور، فكان يلقب بمطعم الناس في السهل، والوحوش والطيور في رؤوس الجبال. وقد تشرق بحفر بثر زمزم بعد أن كان قد درسها جرهم عند جلائهم عن مكة، وكان قد أمر بحفرها فبه المنام، ووصف له موضعها فيه.
وفي عهده وقعت حادثة الفيل، جاء أبرهة الأشرم من اليمن بستين ألف جندي من الأحباش، ومعه من الفيلة، ليهدم الكعبة، فلما وصل إلى وادي محسر بين المزدلفة ومنى، وتهيأ للهجوم على مكة أرسل الله عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول، وكان ذلك قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بأقل من شهرين فقط.
أما والده : عبدالله فكان أحسن أولاد عبدالمطلب، وأعفهم وأحبهم إليه، وهو الذبيح، وذلك أن عبدالمطلب لما حفر بئر زمزم، وبدت آثارها نازعنه قريش، فنذر لئن آتاه الله عشر أبناء، وبلغوا أن يمنعوه، ليذبحن أحدهم. فلما تم له ذلك أقرع بين أولاده، فوقعت القرعة على عبدالله، فذهب إلى الكعبة ليذبحه، فمنعته قريش، ولا سيما إخوانه وأخواله، ففداه بمائة من الإبل، فالنبي صلى الله عليه وسلم ابن الذبيحين : إسماعيل عليه السلام بكبش، وفدي عبدالله بمائة من الإبل.
واختار عبدالمطلب لابنه عبدالله آمنة بنت وهب، وكانت أفضل نساء قريش شرفاً وموضعاً،، وكان أبوها وهب سيد بني زهرة نسباً وشرفاًً، قتمت الخطبة والزواج، وبني بها عبدالله بمكة فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد فترة أرسله عبدالمطلب إلى المدينة - أو الشام في تجارة – فتوفي بالمدينة – راجعاً من الشام – ودفن في دار النابغة الذبياني، وذلك قبل ولادته صلى الله عليه وسلم على الأصح.
المولد :
ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعاب بني هاشم في مكة، صبيحة يوم الأثنين، التاسع – ويقال الثاني عشر – من شهر ربيع الأول عام الفيل – والتاريخ الأول أصح والثاني أشهر – وهو يوافق اليوم الثاني والعشرين من شهر أبريل سنة 571م.
وكانت قابلته أي داينه : الشفاء بنت عمرو أم عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، ولما ولدته أمه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام. وأرسلت إلى جده عبدالمطلب تبشره بولاته صلى الله عليه وسلم، فجاء عبدالمطلب مستبشراً مسروراً، وحمله، فأدخله الكعبة، وشكر الله، ودعاه، وسماه محمداً، رجاء أن يحمد، وعق عنه، وختنه يوم سابعه، وأطعم الناس كما كان العرب يفعلون.
وكانت حاضنته أم أيمن : بركة الحبشية، مولاة والده عبدالله، وقد بقيت حتى أسلمت، وهاجرت، وتوفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر، أو بستة أشهر.
رضاعته :
وأول من أرضعته صلى الله عليه وسلم، بعد أمه ثويبة : مولاة أبي لهب بلبن ابن لها، يقال له مسروح، وكانت قد أرضعته قبله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبدالمطلب وبعده صلى الله عليه وسلم – أبا سلمة بن عبدالأسد المخزومي، فهم إخوته صلى الله عليه وسلم من الرضاع.
وقد أعتق أبو لهب أمته هذه فرحاً بولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه صار ألد أعدائه حينما قام بالدعوة إلى الإسلام.
في بني سعد :
كان من عادة العرب أن يلتمسوا المراضع لمواليدهم في البوادي، إبعاداً لهم عن أمراض الحواضر حتى تشتد أعصابهم، وليتقنوا اللسان العربي في مهدهم.
وقدر الله أن جاءت نسوة من بني سعد بن بكر بن هوازان يطلبن الرضعاء، فعرض النبي صلى الله عليه وسلم عليهن كلهن، فأبين أن يرضعنه لأجل يتمه. ولم تجد إحدى النسوة وهي حليمة بنت أبي ذويب – رضيعاً فأخذته صلى الله عليه وسلم – وحظيت به حظوة اغتبط لها الآخرون.
واسم أبي ذويب والد حليمة : عبدالله بن الحارث، واسم زوجها : الحارث بن عبدالعزي : إخوته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة هم : عبدالله وأيسة وجدامة، وهي الشيماء، لقب غلب على اسمها، وكانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بركات بيت الرضاعة :
وقد درت البركات على أهل البيت مدة وجوده صلى الله عليه وسلم بينهم.
ومما روي من هذه البركات : أن حليمة لما جاءت إلى مكة كانت الأيام أيام جدب وقحط، وكانت معها أتان كانت أبطأ دابة في الركب مشياً لأجل الضعف والهزال، وكانت معها ناقة لا تدر بقطرة من لبن، وكان لها ولد صغير يبكي ويصرخ طول الليل لأجل الجوع، لا ينام، ولا يترك أبويه ينامان.
فلما جاءت حليمة بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحلها، ووضعته في حجرها أقبل عليه ثدياها بما شاء من لبن، فشرب حتى روي، وشرب معه ابنها الصغير حتى روي، ثم ناما.
وقام زوجها إلى الناقة فوجدها حافلاً باللبن فحلب منها ما انتهيا بشربه ريًّا وشبعاً، ثم بات بخير ليلة.
ولما خرج راجعين إلى بادية بني سعد ركبت حليمة تلك الأتان، وحملت معها النبي صلى الله عليه وسلم، فأسرعت الأتان حتى قطع بالركب، ولم يستطع لحوقها شيء من الحمر.
ولما قدما في ديارهما : ديار بني سعد – وكان أجدب أرض الله – كانت غنمهما تروح عليهما شباعاً ممتلئة الخواصر بالعلف، وممتلئة الضروع باللبن. فكانا يحلبان ويشربان، وما يحلب إنسان قطرة لبن.
فلم يزالا يعرفان من الله الزيادة والخير حتى اكتملت مدة الرضاعة ومضت سنتان ففطمته حليمة، وقد اشتد وقوي في هذه الفترة.
بقاء النبي صلى الله عليه وسلم في بني سعد بعد الرضاعة :
وكانت حليمة تأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى أمه وأسرته كل ستة أشهر، ثم ترجع به إلى باديتها في بني سعد، فلما اكتملت مدة الرضاعة وفطمته، وجاءت به إلى أمه حرصت على بقائه صلى الله عليه وسلم عندها، لما رأت من البركة والخير. فطلبت من أم النبي صلى الله عليه وسلم أن تتركه عندها حتى يغلظ، فإنها تخاف عليه وباء مكة، فرضيت أمه صلى الله عليه وسلم بذلك، ورجعت به حليمة إلى بيتها مستبشرة مسرورة، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم عندها بعد ذلك نحو سنتين، ثم وقعت حادثة غريبة أحدثت خوفاً في حليمة وزوجها ردا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمه. وتلك الحادثة هي شق صدره صلى الله عليه وسلم.
شق الصدر :
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل، وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال : هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه أي ضمه وجمعه ثم أعاده في مكانه.
وجاء الغلمان يسعون إلى أمه – يعني ظئره ( وهي المرضعة ) – فقالوا : إن محمداً قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. أي متغير اللون.
قال أنس : وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.